عانى قطاع القيادة الذاتية للتو من يوم ستذكره عمالقة التكنولوجيا والسيارات بنفس الطريقة التي تذكر بها وول ستريت تاريخ 16 مارس 2008. وفي حين أن يوم انهيار بنك “بير ستيرنز” (Bear Stearns) كان حدثاً تاريخياً في الأزمة المالية العالمية، عندما دفعت الافتراضات الخاطئة حول قيمة الرهون العقارية البنوك إلى حافة الهاوية -وبعضها وقعت في تلك الهاوية– سيكون تاريخ 26 أكتوبر 2022 التاريخ الذي ظهرت فيه توابع الزلزال بعد سنوات من الافتراضات الخاطئة حول تكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة.
إغلاق شركة “أرغو”
في البداية كانت صدمة إغلاق شركة “أرغو إيه أي” (Argo AI) الناشئة التي موّلتها كل من “فورد” و”فولكس واجن” باستثمارات بمليارات الدولارات. وفي غضون ساعات، ذكرت وكالة رويترز أن مزاعم “تسلا” الخاصة بالقيادة الذاتية تخضع لتحقيق جنائي، فقد أخبر شخص مطلع على الأمر “بلومبرغ” أن المدعين العامين بوزارة العدل في واشنطن وسان فرانسيسكو يحققون في تصريحات شركة السيارات الكهربائية ومديريها التنفيذيين منذ العام الماضي.
من الصعب أن تتوصل إلى منهجين يتناقضان تناقضاً صارخاً إلى هذه الدرجة في تناول مهمة قال أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة “فورد” يوم الأربعاء إنها ستكون أصعب من وصول الإنسان إلى سطح القمر. فقد حدد إيلون ماسك هدفاً لشركته “تسلا” في عام 2016 من خلال البدء في تحصيل آلاف الدولارات مقابل ما تسميه الشركة بالقيادة الذاتية الكاملة. وبعد ست سنوات، أقرّ الرئيس التنفيذي بأن النظام لم يكتمل بعد، ونبه العملاء إلى أن يتوقعوا تقدماً بطيئاً أو خطوتين للأمام وخطوة للخلف.
على النقيض من ذلك، أكد برايان ساليسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “أرغو”، على الحاجة إلى نشر آمن ومحدود لمركبات الاختبار، وإلى شراكات وثيقة مع المدن وأصحاب المصلحة الذين ستشاركهم سياراتها ذاتية القيادة السير على الطريق. يُشار إلى أن طريقة الأرض المحروقة وطريقة الرجل اللطيف لم يُكتب لهما النجاح في هذا الصدد.
التحقيق مع تسلا
تخضع “تسلا” لتحقيقات في العيوب أمام الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة، وتتجه إلى محاكمة أولى من بين عدة محاكمات محتملة حول حوادث أُلقي اللوم فيها على نظام “أوتوبايلوت” (Autopilot)، وهو نظام مساعدة السائق الخاص بالشركة. كما اتهمت ولاية كاليفورنيا الشركة في أغسطس بتضليل المستهلكين، وطالب أحد سكان الولاية الذي رفع دعوى قضائية الشهر الماضي إلى توصيف ادعاءاته بأن ماسك كان يخادع الجمهور بوعود دائمة بأن الشركة على وشك إتقان التكنولوجيا بدعوى جماعية.
اعتاد معجبو أغنى رجل في العالم على قراءة منشورات متكررة من الرجل -الذي سيصبح قريباً مالك “تويتر”– حول وصول النسخ الجديدة التجريبية من برمجيات القيادة الذاتية الكاملة إلى سياراتهم. وبعد أن غرّد ماسك مؤخراً حول إصدار رئيسي قادم هذا الأسبوع، رد أحد المتابعين بارتياح قائلاً إنه كان متردداً في استخدام أحدث إصدار من برمجيات القيادة الذاتية الكاملة بعد أن انحرفت سيارته “تسلا” نحو سيارة قادمة.
عندما استثمرت “فورد” لأول مرة في شركة “أرغو” قبل خمسة أعوام، كانت تعتقد أنها ستستطيع تسويق السيارة القادرة على الحركة بدون سائق على نطاق واسع في ظروف معينة بحلول عام 2021. أما الآن، فقد خلصت شركة صناعة السيارات إلى أنها بحاجة إلى الاستثمار في تقنية مساعدة السائق التي يمكن تحقيقها على المدى القريب، وأدى قرارها بتبديل الاستراتيجية أيضاً إلى انسحاب “فولكس واجن”، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، ولم تتمكن “أرغو” من جذب مستثمرين جدد.
خسائر “فورد” و”فولكس واجن”
أدى انخفاض قيمة استثمار “فورد” في شركة “أرغو” بمقدار 2.7 مليار دولار إلى تكبد شركة السيارات العملاقة خسارة صافية قدرها 827 مليون دولار في الربع الأخير. وكانت شركة “فولكس واجن”، التي ستعلن نتائج أعمالها يوم الجمعة القادم، قد صرحت باستثمارها مبلغاً مطابقاً تقريباً في الشركة الناشئة في عام 2019.
قال دوغ فيلد، الذي أخذته شركة “فورد” من مشروع سيارة “أبل” (Apple) وعينته في العام الماضي: “يعمل فريقنا في (أرغو) على ما أعتبره أصعب مشكلة فنية في عصرنا، وهي أصعب من إيصال رجل إلى سطح القمر”.
يختلف ذلك اختلافاً صارخاً عما كان يقوله قادة السيارات والتكنولوجيا عندما كانت الضجة حول السيارات ذاتية القيادة في ذروتها. حيث توقعت شركة “ماكينزي” (McKinsey) قبل ثلاث سنوات فقط أن تصل الإيرادات العالمية الناتجة عن المركبات ذاتية القيادة إلى 1.6 تريليون دولار سنوياً بحلول نهاية هذا العقد. وبالمثل، تحدث رئيس الشركة الناشئة “كروز” (Cruise) المملوكة لشركة “جنرال موتورز”، في أوائل عام 2020 عن سوق بقيمة تريليون دولار. في حين أرسل كريس أورمسون، الذي قال أثناء وجوده في “غوغل” إن الهدف كان ألا يحتاج ابنه أبداً إلى رخصة قيادة، مذكرة الشهر الماضي إلى الموظفين في شركته الناشئة “أورورا إنوفيشن” (Aurora Innovation) التي تعاني من ضائقة مالية، يحدد فيها خيارات تشمل خفض التكاليف وحتى الجهود المحتملة لبيعها إلى شركة “أبل” أو “مايكروسوفت”.
نستطيع القول إن “أرغو” هي أكبر ضحية على ساحة القيادة الذاتية حتى الآن، غير أنها ليست الأولى. حيث بيعت شركة “زوكس” (Zoox) ومقرها سان فرانسيسكو إلى “أمازون” في عام 2020، في حين تخلت “أوبر” عن وحدتها الخاصة بالقيادة الذاتية بعد أشهر إذ باعت حصتها إلى “أورورا”. وفي أوائل العام الماضي، استحوذت شركة “كروز” التي تملكها “جنرال موتورز” على “فوياج” (Voyage)، وهي شركة ناشئة كانت تحاول اتباع أسلوب الاستخدام في نطاق ضيق فيما يخص القيادة الذاتية، عبر العمل في مجتمعات المتقاعدين في فلوريدا.
ميزة تنافسية
عندما أعلنت “جنرال موتورز” عن نتائج ربع سنوية هذا الأسبوع، ضغط المحللون على الرئيس التنفيذي لشركة “كروز” كايل فوغت بشأن وضع القيادة الذاتية. وقال إن الشركات التي تنتشر وتتوسع لديها الآن ميزة تميز بها نفسها عن تلك التي لا تفعل ذلك.
أضاف فوغت: “إننا نشهد تبايناً متزايداً بين الشركات التي تقدم خدمة القيادة الذاتية تجارياً، وتلك التي ما تزال عالقة في منطقة خيبة الأمل، وما يحدث هنا هو أن الشركات التي لديها أفضل المنتجات تقدمت وتتسارع”.
في الحقيقة، سوف نكتشف مع الوقت إلى أي مدى ستمضي “جنرال موتورز” و”كروز” في بناء شركة ناجحة، إذ خسرت الوحدة التي تهدف إلى تحقيق عائدات بقيمة مليار دولار بحلول عام 2025 ما مقداره 497 مليون دولار في الربع الأخير، ليصل إجمالي عجزها هذا العام إلى 1.4 مليار دولار.
من جانبه يشكك جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة “فورد”، في أن تكون الصناعة قريبة من تحقيق هدفها. حيث قال يوم الأربعاء: “إن إنتاج سيارات ذاتية القيادة ومربحة على نطاق واسع ما زال هدفاً بعيد المنال، ولن نضطر بالضرورة إلى إنتاج تلك التكنولوجيا بأنفسنا”.