لا يعد المغرب أحد كبار منتجي الكوبالت في إفريقيا، لكنه يلفت الانتباه إليه فيما يتعلق بالموارد النادرة: إذ وقعت شركات سيارات مثل بي أم دبليو الألمانية ورينو الفرنسية عقودًا لشراء “الكوبالت المستدام” من المغرب. والكوبالت معدن يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى استخدامات أخرى. معظم المعدن يأتي حالياً من جمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن التعدين هناك مثير للجدل بسبب ظروف العمل المشكوك فيها. في الماضي، كان يتم إرسال الأطفال أيضًا إلى مناجم يتم حفرها بصورة فردية وغير آمنة.
ظروف العمل في المغرب هي أفضل، كما هناك خطط لاستعادة الكوبالت من البطاريات القديمة عن طريق إعادة التدوير – وعبر استخدام الطاقة الخضراء يمكن أن يحدث كل هذا مع القليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور كان قد عقد صفقة كبيرة في صيف 2022 مع شركة صناعة السيارات الفرنسية رينو. 5 آلاف طن سنويا من الكوبالت المغربي سيتم تصديرها اعتبارا من 2025، حسب لقاء مع الوزير المغربي مع التلفزيون المحلي.
وذكر الوزير أن الصفقة تشمل “5 آلاف طن من الكوبالت، أي ما يقرب من 60-70 في المئة من إنتاجنا، لكننا نستثمر في المزيد من الاستكشاف، والإنتاج سيزداد في السنوات القادمة. هذه الشراكة هي الخطوة الأولى في سلسلة صناعة البطاريات.. إننا فخورون أيضًا بتقديم قيمة مضافة للصناعة هنا في بلدنا وأن نكون قادرين على إظهار مدى جاذبية موقعنا في المغرب”.
عقود ضخمة مع بي أم دبليو ورينو
وأوضح محمد البشيري، رئيس شركة رينو المغرب سابقا، أن هذه الصفقة جديدة أيضًا بالنسبة لشركة رينو لصناعة السيارات، وأضاف: “إنها المرة الأولى في تاريخ صناعة السيارات التي نقوم فيها بشراء المواد الخام بشكل مباشر. أنا متأكد من أن ذلك سيوفر إمكانيات جديدة في كيفية تعاملنا مع تحديات الحصول على المواد الخام التي أصبحت مهمة للغاية من الناحية الاستراتيجية. نحن نرى مدى أهمية ذلك في جميع أنحاء العالم وتثبت لنا الأخبار ذلك مرة أخرى”.
رينو ليست الشركة الكبرى الوحيدة التي حصلت على الكوبالت المغربي، إذ أبرمت شركة تصنيع السيارات الألمانية بي أم دبليو BMW أيضا عقودًا مع المغرب في عام 2020 بقيمة 100 مليون يورو. يقوم مصنعو السيارات الكبار بالتوجه إلى صناعة السيارات الكهربائية، ونتيجة لذلك، فإن طلبهم على الكوبالت للبطاريات آخذ في الازدياد.
“تعد استدامة وأمن التوريد من العوامل المهمة أيضًا للتنقل الكهربائي”، وفقًا لبيان صحفي صادر عن BMW. لهذا السبب قررت BMW التوقف عن شراء الكوبالت من الكونغو. ويبدو أن الانتقادات الموجهة لظروف العمل هناك أصبحت عالية للغاية، وردت الشركة على سؤال موجه من راديو القناة الأولى الألمانية (ARD)، بالقول: من أجل تجنب انتهاكات حقوق الإنسان والمعايير البيئية، اتخذنا العديد من التدابير فيما يتعلق بالكوبالت باعتباره مكونًا رئيسيًا في تصنيع خلايا البطاريات. بالنسبة للجيل الحالي من خلايا البطاريات، نشتري الكوبالت مباشرة من المناجم ونجعله متاحًا لمصنعي خلايا البطاريات لدينا. ولهذا نحصل على الكوبالت مباشرة من مناجم في أستراليا والمغرب. وهذا يمنحنا شفافية كاملة حول الأصل وطرق التعدين”.
لكن هذا التغيير في سياسة التوريد لم يأت فجأة، بل هو وفقاً لقانون “العناية الواجبة لسلسلة التوريد” الذي أقرته الحكومة الألمانية في الأول من كانون الثاني/ يناير 2023. وفقًا لهذا القانون، يجب على الشركات الكبيرة ضمان احترام حقوق الإنسان في سلاسل التوريد الدولية الخاصة بها.
لكن لا يمكننا التحقق ظروف العمل في المغرب وإلى أي مدى هي مستدامة وملائمة للموظفين. لا يريد المسؤولون عن شركة التعدين (Menagem Group) ولا ممثلو النقابات أو أي من عمال المناجم البالغ عددهم 1300 تقريبًا إجراء مقابلة معنا. لكن ظروف العمل تحسنت، كما يقول أندرياس فينزل من غرفة الصناعة والتجارة الألمانية في المغرب.
أكثر جاذبية كشريك تجاري
كما أن المغرب أكثر جاذبية كشريك تجاري من البلدان الأفريقية الأخرى، لأنه يتمتع بمعايير أعلى وطريق التجارة إلى أوروبا أقصر. يقول فينزل إن الحرب في أوكرانيا، ومحاولة تنويع موردي المواد الخام، والصراع مع اقتصادات عالمية جديدة مثل الصين، كل هذا يعني أن المغرب أصبح شريكًا أكثر إثارة للاهتمام. ويضيف: “بالطبع، يتيح الوضع الجيوسياسي الحالي للمغرب فرصة تقديم نفسه بطرق مختلفة كشريك موثوق به لأوروبا. هذا ينطبق على القضايا الصناعية، وينطبق على قضايا المواد الخام، كما ينطبق على التعاون في مجال الطاقات المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر”.
يعد المغرب الآن ثاني أهم موقع استثماري للشركات الألمانية في إفريقيا، وقد تجاوز الآن جنوب إفريقيا كأكبر منتج للسيارات. في الوقت نفسه، توسعت البلاد بشكل كبير من حيث الطاقة الخضراء من الشمس والرياح والمياه. من خلال القيام بذلك، تريد المملكة تزويد أجزاء من قطاع الصناعة بالطاقة الخضراء، وبالتالي تصبح أكثر جاذبية للشركات الكبيرة الملتزمة بالاستدامة.
ويقول خبير صناعة التعدين في المغرب، عبد الله متقي: إنه رغم احتلال المغرب المركز الثاني عشر في الاحتياطات العالمية للكوبالت، فإنه ليس لاعباً كبيراً عندما يتعلق الأمر بهذا المعدن. ويضيف الأستاذ في جامعة محمد السادس والعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنه يوجد حالياً منجم واحد للكوبالت في البلاد، وهو على بعد 120 كيلومترًا من مدينة ورزازات الصحراوية. وهو مملوك لشركة التعدين الحكومية (Managem).
لكن المغرب في وضع استراتيجي جيد، بحسب متقي. ويضيف “تمكن المغرب من تطوير قطاع متكامل للكوبالت: يبدأ من الاستخراج الأولي في المنجم إلىإعادة التدوير النهائية. وهذه المعالجة النهائية هي التي تسمح الآن للمغرب بلعب دور في سلاسل التوريد على نطاق عالمي”.
وهذا يعني أن مصنعي السيارات يشترون بالفعل الكوبالت المعالج في الخطوة الأولى ويتم إعادة تدويره على المستوى المحلي. والمغرب لديه خطط أخرى أيضًا، فقبل عام أعلنت شركة التعدين المغربية Managem-Group ، بالتعاون مع شركة التعدين السويسرية العملاقة Glencore ، أنها تريد أيضًا إعادة تدوير الكوبالت من البطاريات القديمة في المستقبل. سيكون ذلك خطوة أخرى للمغرب في طريقه إلى أن يصبح موردا مستداما للمواد الخام.