تشهد رياضة السيارات في العالم العربي طفرة غير مسبوقة في رياضة السيارات. فمن حلبات الفورمولا 1 العالمية إلى بطولات الدرفت المثيرة وراليات الصحراء القاسية، أصبحت المنطقة العربية لاعباً رئيسياً على الساحة العالمية. أحداث كبرى مثل جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1، جائزة قطر الكبرى، وجائزة أبوظبي الكبرى باتت محطات أساسية في روزنامة الرياضة العالمية، مدعومة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية وثقافة جماهيرية متنامية. في دول مثل الإمارات والسعودية وقطر، لم تعد رياضة السيارات مجرد ترفيه، بل أصبحت أداة لتعزيز الاقتصاد، جذب السياحة، وإبراز الهوية الوطنية.
الفورمولا 1 تجد موطناً في الشرق الأوسط
منذ عقدين فقط، كان من الصعب تخيل أن تحتضن المنطقة عدة سباقات للفورمولا 1. اليوم، تحتضن منطقة الخليج أربع جولات رسمية من البطولة العالمية. البداية كانت من البحرين عام 2004 على حلبة الصخير، ثم جاءت أبوظبي عام 2009 مع حلبة مرسى ياس التي تحولت إلى أيقونة بفضل سباقها الليلي الختامي للموسم.
لاحقاً، انضمت السعودية بسباق جدة عام 2021 على حلبة كورنيش جدة، إحدى أسرع الحلبات الشاطئية في العالم، فيما دخلت قطر على الخط عبر حلبة لوسيل الدولية التي خضعت لتطوير شامل وضمنت عقداً مع الفورمولا 1 لعشر سنوات. هذه الخطوات عكست ما يسميه المراقبون بـ “تغيير قواعد اللعبة” في خارطة الفورمولا 1 العالمية، حيث أصبح الشرق الأوسط الآن يفتتح ويختتم المواسم.
هذه السباقات ليست مجرد منافسات رياضية، بل مشاريع استراتيجية. السعودية مثلاً استثمرت أكثر من 6 مليارات دولار في الرياضة منذ 2021 كجزء من رؤية 2030، فيما طورت الإمارات جزيرة ياس باستثمار تجاوز 40 مليار دولار لتكون مركزاً ترفيهياً متكاملاً. أما قطر، فاعتبرت أن الفورمولا 1 هي “كأس العالم الجديد” لعقد كامل بعد استضافتها لمونديال 2022.
استثمارات ضخمة وبنية تحتية عالمية
لم تقتصر الاستثمارات على الحلبات، بل شملت مشاريع ضخمة مثل مدينة القدية الترفيهية في الرياض، التي ستضم حلبة فورمولا 1 دائمة ضمن مدينة مخصصة بالكامل لرياضة السيارات. وفي قطر، جرى تحديث حلبة لوسيل بمركز إعلامي متطور، 50 مرآباً للفِرق، ومدرجات تتسع لـ40 ألف متفرج.
الحلبات الأخرى مثل حلبة دبي أوتودروم وكويت موتور تاون تقدم منصات للتجارب المحلية وبطولات الجي تي والتحمل، ما يجعل المنطقة مركزاً متكاملاً لرياضات المحركات، من الفورمولا 1 إلى سباقات التحمل والفورمولا إي.
الراليات: من الصحراء إلى العالمية
قبل الفورمولا 1، كانت الراليات هي قلب رياضة السيارات في العالم العربي. واليوم تعود بقوة مع حدث عالمي بحجم رالي داكار الذي تستضيفه السعودية منذ 2020. هذا السباق الأسطوري جعل المملكة مركزاً عالمياً للراليات الصحراوية، ممتداً عبر الكثبان الرملية والجبال القاسية.
كما يبرز تاريخ عريق للراليات الإقليمية عبر بطولة الشرق الأوسط للراليات التي أنجبت أسماء لامعة مثل القطري ناصر العطية (بطل داكار خمس مرات) والإماراتي محمد بن سليم (بطل الشرق الأوسط 14 مرة ورئيس الاتحاد الدولي للسيارات حالياً). وفي السنوات الأخيرة، شهدنا مشاركة نسائية بارزة مثل مشاعل العبيدان ودانية عقيل من السعودية، اللواتي أثبتن قدرة المرأة على المنافسة في أصعب التحديات.
الدرفت وثقافة السيارات في الخليج
لا يمكن الحديث عن رياضة السيارات في المنطقة دون التطرق إلى الدرفت في الخليج. ما كان يوماً ظاهرة شبابية غير منظمة في شوارع السعودية (التفحيط) أصبح اليوم رياضة رسمية تحت مظلة بطولات عالمية مثل ريد بُل كار بارك دريفت.
في 2022، استضافت جدة النهائي العالمي بمشاركة 24 سائقاً من 18 دولة، وجمهور غفير ملأ المدرجات. فاز المصري هشام الخطيب باللقب، فيما تألق متسابقون من عمان والعراق، ما يعكس اتساع قاعدة المواهب العربية.
هذه البطولات لا تقتصر على المنافسة، بل أصبحت مهرجانات جماهيرية يتخللها عروض موسيقية وأنشطة شبابية، ما جعلها جزءاً من الثقافة الحضرية الحديثة.
تنمية المواهب المحلية وجيل جديد من الأبطال
إلى جانب تنظيم البطولات، تعمل الدول الخليجية على تأسيس برامج لاكتشاف المواهب. السعودية أطلقت برنامج “نجوم السعودية الصغار” للكارتينغ للأطفال من سن 6 سنوات، إضافة إلى “الجيل القادم” لدعم السائقين الشباب في الراليات. في الإمارات، يبرز بطولة الفورمولا 4 الإمارات التي تجذب مواهب عالمية وتمنح فرصة للسائقين المحليين مثل آمنة القبيسي وريما الجفالي لترك بصمتهم على الساحة الدولية.
كما أظهرت الدراسات أن أكثر من 73% من الشباب الإماراتي يرغبون في رؤية المزيد من فعاليات رياضة السيارات، وهو ما يفسر انتشار مدارس الكارتينغ وحلبات التدريب في المنطقة.
الخاتمة: تسارع نحو المستقبل
من الفورمولا 1 إلى الراليات والدرفت، أصبح العالم العربي مركزاً متكاملاً لرياضة السيارات. لم تعد المنطقة مجرد مضيف للأحداث، بل أصبحت صانعة للنجوم، ومستثمراً رئيسياً في مستقبل هذه الرياضة.
اليوم، يشهد الجمهور العربي سباقات عالمية على أرضه، ويشارك شبابه في المنافسة، بينما تستثمر الحكومات في البنية التحتية والبرامج التطويرية. إنها حقبة ذهبية لرياضة السيارات في العالم العربي، والأنظار العالمية كلها تتجه إلى الخليج الذي بات يرسم ملامح مستقبل هذه الرياضة.