شهدت المملكة العربية السعودية ومصر في الآونة الأخيرة تعزيزاً ضخماً للمشاريع والمبادرات الهادفة إلى توطين صناعة السيارات، خصوصاً الكهربائية منها. ففي السعودية، أُعلن عن مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية (KAEC)، كمركز رئيسي يجمع مصنعي السيارات المحليين والعالميين. ويضم المجمع شركات بارزة مثل سير أول علامة سعودية للسيارات الكهربائية، ولوسيد موتورز التي افتتحت مصنعها الأول دولياً في السعودية عام 2023 . كما دخل صندوق الاستثمارات العامة في شراكات عالمية كبيرة: شراكة مع هيونداي لتأسيس مصنع سيارات متطوّر بقدرة إنتاج عالية، وأخرى مع بيريللي لإقامة مصنع للإطارات محلياً . وتتولى مبادرات حكومية وشبه حكومية دعم البيئة الاستثمارية، وقدرت مساهمة مجمع الملك سلمان في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 92 مليار ريال سعودي بحلول 2035 مع خلق آلاف الوظائف . كما يتوافق المشروع مع رؤية السعودية 2030 وبرامج التنمية الصناعية واللوجستية، حيث يستهدف تقليل الاعتماد على النفط وزيادة الصادرات .

تُعد شركة «سير» (Ceer) مشروعاً مشتركاً بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة فوكسكون الدولية، تُصمِّم وتُصنع سيارات كهربائية مبتكرة داخل المملكة . فقد أُطلقت «سير» رسمياً ضمن رؤية 2030 لاستغلال التقنيات العالمية (مثل تراخيص بي إم دبليو وفوكسكون) ودعم التنويع الاقتصادي، مع وعد بالاعتماد على مكوِّنات محلية وتوفير آلاف الوظائف للسعوديين . وتسعى السعودية أيضاً إلى تشجيع قطاع السيارات الكهربائي بزيادة حصة مبيعاتها من السيارات الكهربائية إلى 30% بحلول 2030، ضمن مبادرة خضراء حكومية ، واستقطاب المزيد من المصانع والمستثمرين بتقديم حوافز ولوجستيات متطورة.

جهود مصر في توطين صناعة السيارات

على الجانب المصري، يعمل جهازها التنفيذي على خطة متكاملة لتوطين صناعة السيارات ضمن أهداف إستراتيجية التنمية المستدامة «مصر 2030». أصدرت الحكومة في يونيو 2022 الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة السيارات ثم حزمة تشريعات ترافقها باللجنة العليا لصناعة السيارات . كما أُطلق البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات (AIDP) في نوفمبر 2023، ويشمل منح حوافز وإجراءات اعتماد لمصانع السيارات المحلية . فيما أُحدث صندوق لدعم السيارات الصديقة للبيئة، ويوفر تمويلاً للمراكز البحثية ومحطات الشحن، وضمَّ مبادرة رئاسية لإحلال المركبات القديمة بمركبات جديدة صديقة للبيئة . وطرحت الحكومة خطة طويلة الأجل لرفع نسبة المكوّن المحلي في السيارات إلى 60% وزيادة الإنتاج إلى 400 ألف وحدة سنوياً بحلول 2030 . كما تخطط القاهرة لمضاعفة الإنتاج المحلي من نحو 95 ألف سيارة حالياً إلى 260 ألف بحلول 2026، مع تخصيص 25% من الإنتاج للتصدير لتعظيم العائدات من العملة الصعبة .

وقد بدأت تظهر نتائج هذه الجهود: فتتعاون مصر مع شركات عالمية كبرى على إنتاج السيارات محلياً. على سبيل المثال، تسعى شركات عالمية مثل فولكسفاغن إلى إقامة مصنع لتجميع السيارات بإقليم شرق بورسعيد . وفي مايو 2024، وقعت شركة «جي في» المصرية شراكة مع شركة صينية (FAW) لبدء تصنيع طرازات كهربائية منخفضة التكلفة في مصر . وفي نهاية 2024، وقع مجلس الوزراء عقداً مع شركة SAIC الصينية لبناء مصنع لتجميع سيارات «إم.جي» باستثمارات 135 مليون دولار . ومن المشروعات ذات الأهمية إعلان شركة النصر التابعة للدولة، بالشراكة مع الصين، تصنيع أول سيارة كهربائية مصرية محلياً، مستهدفة إنتاج 20 ألف وحدة سنوياً . وتُهيئ الحكومة بنية تحتية داعمة أيضاً: فقد أنشأت نحو 3000 محطة شحن سريع، وقدمت دعماً مالياً للمشترين الأوائل من السيارات الكهربائية . ويعزو الخبراء النجاح المستقبلي إلى استقرار السياسات، وتطوير الصناعات المغذية، ورفع كفاءة العمالة الفنية .

استثمارات قيادية في توطين صناعة السيارات بالسعودية ومصر

مقارنة بدول عربية أخرى

تتميز الإمارات العربية المتحدة بحجم سوق كبير واعتماد مبكر على السيارات الفاخرة والمستوردة، لكنها بدأت تبني استراتيجيات للتصنيع المحلي أيضاً. ففي دبي مثلاً وضعت «مجموعة إم جلوري» حجر الأساس لأول مصنع إماراتي لإنتاج السيارات الكهربائية باستثمار 1.5 مليار درهم وقدرة إنتاجية تقدر بنحو 55 ألف سيارة سنوياً . كشفت الشركة عن أول طراز محلي بالكامل («الدماني DMV300»)، ضمن خطة لتصدير السيارات إلى دول الخليج وإفريقيا . كما تعمل الإمارات على نشر آلاف محطات الشحن وتقديم حوافز خضراء (إعفاءات من رسوم التسجيل وضريبة الطرق) لتشجيع تبني السيارات الكهربائية .

في المغرب، يتحكم ثلاثي كبير (رينو وستيلانتيس وغيرها) في صناعة السيارات حيث بلغ الإنتاج 700 ألف سيارة سنوياً وتهدف الرباط لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى مليون وحدة بنهاية 2025 . وقد وسعت المغرب إنتاج السيارات الكهربائية بنحو 53% خلال 2025 ليصل إلى 107 آلاف سيارة . كما تركز المغرب على بناء سلسلة توريد متكاملة للبطاريات، حيث سيدشن أول مصنع مغربي لمكونات بطاريات السيارات الكهربائية في يونيو 2025 . وتتيح شبكة موانئ متقدمة واتفاقات تبادل تجاري مع أوروبا وأفريقيا لمصانع المغرب تصدير إنتاجها بسهولة، مما جعل الصناعة مصدر العملة الصعبة الأول للمملكة.

أما الجزائر فقد تسارعت خطواتها نحو التوطين. ففي أبريل 2025 وقعت شركات جزائرية اتفاقيتين مع شريك صيني (جيتور) لاستثمار أكثر من 105 مليون دولار لإنشاء مصنع سيارات في باتنة بطاقة إنتاجية تفوق 270 ألف سيارة سنوياً، بالإضافة إلى توفير ألف وظيفة مباشرة . كما أطلق مجمع «إيريس» وصينيون مشروعاً جديداً لطلاء وهياكل السيارات يشمل ألفي وظيفة مباشرة . ويتفاوض المسؤولون الجزائريون حالياً مع نحو 13 شركة عالمية للانضمام وافتتاح مصانع جديدة في البلاد، ضمن رؤية لجعل الجزائر أحد المنتجين الرئيسيين بالمنطقة .

أما الأردن فتوّلت خطة لتحول نوعي مشابه، رغم صغر السوق المحلي. فقد أعلنت شراكة مع شركة «إم-جلوري» الصينية لاستثمار نحو 550 مليون دولار في مصانع مشتركة للسيارات الكهربائية في الأردن ومصر والإمارات . يهدف هذا التحالف إلى بناء خطوط إنتاج كاملّة طرازات «كروس أوفر» كهربائية بسعة أولية 40 ألف سيارة سنوياً، مع نقل تقنية وخبرات عالية الجودة وخلق وظائف متخصصة . وبالإضافة إلى السيارات، تستفيد الأردن من مواردها الطبيعية (كالفوسفات) في خطط لتصنيع بطاريات مستقبلية، ما قد يدعم تطوير صناعة السيارات الكهربائية محلياً .

التأثير الاقتصادي والبيئي

تؤدي هذه الاستثمارات الى تعزيز النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل خارج النفط. ففي السعودية، من المتوقع أن يضيف مجمع «الملك سلمان» نحو 92 مليار ريال إلى الناتج المحلي بحلول 2035، مع آلاف الوظائف الجديدة . وفي مصر، تسهم الصناعة المتنامية في تخفيض عجز الميزان التجاري (بتقليص الواردات عبر زيادة الصادرات)، حيث تستهدف الحكومة تحقيق نحو 4 مليارات دولار سنوياً من عائدات تصدير السيارات بحلول 2030 . كما أن القطاع يجذب ملايين الدولارات من الاستثمارات الأجنبية (حصلت مصر على 28% من استثمارات السيارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2024 )، وهو ما يدعم الاحتياطات الأجنبية ويوفر آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.

بالجانب البيئي، يسهم التوجه نحو السيارات الكهربائية في خفض الانبعاثات الكربونية والاعتماد على الطاقة النظيفة. فقد دعمت المملكة الاستراتيجية «رؤية السعودية الخضراء» بهدف رفع نسبة السيارات الكهربائية إلى 30% من المبيعات الجديدة بحلول 2030 . كذلك توفر مشاريع مثل «سير» نقل تقنية وتصنيع داخلية يساهم في إنشاء منظومة نقل صديقة للبيئة . وفي مصر، أسهمت مبادرات إحلال المركبات القديمة وتوسيع محطات الشحن في انتشار المركبات الصديقة للبيئة . والمغرب ربط صناعة البطاريات بالتوسع في الطاقة المتجددة، لتوليد حوالي نصف احتياجاته الكهربائية من مصادر متجددة دعمًا لمصانع السيارات الكهربائية المحلية . بوجه عام، يحقق التحول الكهربائي للسيارات خفضاً مباشراً في الانبعاثات ويحسن جودة الهواء مع خلق سلسلة إنتاج صناعية مستقبلية.

استثمارات قيادية في توطين صناعة السيارات بالسعودية ومصر

التحديات التي تواجه التوطين

رغم الزخم، تواجه الدول العربية عدة تحديات في سبيل جذب مصانع عالمية وتأسيس علامات محلية. من أبرز هذه التحديات نقص سلاسل إمداد متكاملة لصناعة السيارات؛ فحتى الآن تعتمد كثير من المصانع على استيراد الأجزاء الأساسية قبل التجميع، مما يرفع التكاليف. كما أن استقرار السياسات والحوافز أمرٌ حاسم؛ إذ يحتاج المستثمرون إلى رؤية طويلة الأمد وثبات تنظيمي وحوافز ضريبية وضمانات ضد تقلبات العملة. يشير الخبراء إلى أن نجاح الخطط يعتمد على استمرار الدعم الحكومي، وتطوير الصناعات المغذية (الكهربائية والإلكترونية والكيماويات)، وتدريب العمالة الفنية والمهندسين .

من جهة أخرى، على الرغم من الحوافز الخليجية والمصرية، لا تزال القدرة على المنافسة الإقليمية قوية. فدول مثل المغرب نجحت سابقاً في جذب استثمارات ضخمة من أوروبا بفضل قربها الجغرافي واتفاقاتها التجارية. لذا تواجه السعودية ومصر تحدي استكمال المزايا التنافسية، كاللوجستيات القوية وإمدادات الطاقة المتجددة، للاستمرار بجذب الشركات العالمية. وأخيراً، يتطلب بناء علامة محلية جديدة (كما في «سير» أو «النصر») جهود تسويق وكفاءة إنتاج عالية لمنافسة علامات مهيمنة عالمياً. لكن بالرغم من هذه العقبات، تبدو الرؤية واضحة: تسعى هذه الدول لتأسيس صناعة سيارات متكاملة محلياً، تساهم في خلق فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية، وتعزيز الاستدامة البيئية، ورفع قدراتها الصناعية لتصبح لاعبين مؤثرين في السوق العالمية .

أحدث تطورات سوق وأسعار السيارات في سوريا 2025 – GearsME